كلمة الدكتور محمد عبد الستار السيد وزير الأوقاف إلى الأخوة المواطنين بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك لعام 1430هـ الموافق لـ 2009م
بسم الله الرحمن الرحيم
جعلَ اللهُ سبحانَهُ اليومَ العاشرَ من ذي الحجةِ عيداً للمسلمينَ عامةً وللحُجاج خاصةً ابتهاجاً بأداءِ ركنٍ من أركانِ الإسلامِ في أَدائِه اغترابٌ ومشقةٌ، وفرحاً بما منحَهمُ اللهُ وأسبغَهُ عليهم من النعمِ الظاهرةِ والباطنة.
فعيدُ الأضحى المُباركِ هو يومٌ عَظُمَ شأنُهُ وكَرُمت منزلتُهُ في الإسلامِ فهو يومُ الحجِ الأكبرِ وذكرى التضحيةِ العظمى التي أراد اللهُ تباركَ وتعالى أن يبتلي بها نبيَّهُ الخليلَ إبراهيمَ وأن يَضرِبَ للناسِ مثلاً في التضحيةِ والفداءِ يبقى على الأزمانِ، يستلهمونَهُ كلَّما شحَّت في قلوبِهم نبعةُ الإيمان ويحتذونَهُ كُلَّما تطلعت نفوسُهم إلى الحقِ والخير.
فالعيدُ عِندَ كُلِ أُمةٍ إيماءةٌ إلى حدثٍ خالدٍ في تاريخها والذكرى في حياةِ الشعوبِ تُذّكرُ بأمجادٍ غابرةٍ يجبُ أن يحفلَ بمثلها الحاضرُ فمن حقكَ علينا أيها العيدُ أن تشرقَ على دنيانا وهي تعي معانيكَ هذه المعاني التي من أجلها وبها صِرتَ عيداً فأنتَ رمزٌ للتضحية والفداءِ والإيثارِ والإخاءِ والمودةِ والمحبةِ والصفاءِ والوحدةِ والثباتِ فذكراكَ تُعلمنا أنَّ الإرادة هي الجوهرُ النادرُ الذي يعطي الإنسانَ قيمتَهُ وأنَ ما عاداهُ مظهرٌ تافهٌ وأننا بهذهِ الإرادةِ نستطيعُ أن نجعلَ لعملنا هدفاً ولوجودنا معنىً ولحياتنا رسالةً.
ذكراكَ أيها العيدُ تُعلمُنا أن يتحررَ كلٌ منَّا عن الأثرةِ والطمعِ وحبِ الذاتِ والجشعِ وأنَّ التعاضُدَ والتكاتُفَ واستهداف المصلحةِ العامةِ هي الأركانُ التي يقومُ عليها بناءُ الأممِ وكيانُ الشعوبِ .
ذكراكَ تعلمنا أن نكونَ عاملينَ لا قوالين ومقدمينَ لا مترددين ومسلمينَ لا مستسلمين ومؤمنينَ لا متخاذلين ومتحابينَ لا متباغضين ومقبلينَ لا مدبرين ومنتجينَ لا مقصرين وغيورينَ لا متسلقين وصادقينَ لا منافقين.
أيها العيد:
بالأمسِ كنتَ تتلألأُ فتتعالى اللهُ أكبرُ من أسوارِ الصين وتتهادى على النَّغمِ أساطيلُنا وهي تطوي البحارُ وتنشرُ في أرضِ الله مآثرَ الهداةِ والأبطالِ.
بالأمسِ كنتَ تشِّعُ من المآذنِ فرحةَ أمةٍ آمنت بربها وبرسولها وبنفسها وبغدها وبوحي هذا الإيمان صَنعت مجداً لا تضارعهُ الأمجادُ وتاريخاً ينحني لهُ التاريخ.
أيها الأخوة الأحباب :
إنَّ عيدَ الأضحى درسٌ في التضحيةِ اتُعظ به بعد الخليلِ إبراهيم كل نبيٍ وكل مؤمنٍ وبوحي هذا الدرسِ الأمثلِ استطاع أجدادنا أن يبنوا مجداً لا تضارعهُ الأمجادُ وصرحاً من المعالي دونه الصروح والأطواد ويصنعوا تاريخاً تنحني له الرؤوسُ والجباهُ.
بوحيهِ استطاعوا أن ينشروا ظلَّ رايتهم فوقَ كُلِّ أرضٍ وأن يقهروا البحارَ ويفتحوا الأمصارَ.
بالتضحيةِ استطاعَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) النبي العربي الأعظمُ أن يحملَ إلى الآفاقِ كلماتِ ربهِ وينشُرَ في الأرضِ دينهُ .
بالتضحيةِ وقفَ المؤمنونَ الأولونَ يقوضونَ أركانَ البغي والطغيانِ ويبشرونَ برسالةِ القرآنِ ويلاقونَ صنوفَ الأذى وألوانَ الآلامِ.
هذا ياسرٌ يعذِّبهُ المشركونَ عذاباً شديداً ليكفُرَ بربِ الناسِ، فيأبى إلاّ أن يموتَ شهيداً مؤمناً تُجَلجلُ على شفتيهِ كلمةُ الإيمانِ، وهذهِ أمُهُ يجرها المشركونَ ويجلدونها تتآكل من يديها ورجليها الأغلال وينوءُ صدرها الضعيف بالأثقالِ فتموتُ ويظلُ اسمها مرادفاً لفصيلةِ التضحيةِ التي تنوءُ بحملها الجبالُ، وهذا إمامُ التضحيةِ والفداءِ عليٌّ بن أبي طالب كرَّمَ اللهُ وجههُ تدفعهُ روحُ التضحيةِ أن ينامَ في فراشِ النبي(صلى الله عليه وسلم) ليلةَ حزمَ المشركونَ أمرَهُم وأجمعوا كَلمَتَهم على قتلهِ(صلى الله عليه وسلم) وجَمَعوا الأشِداء من قَبائِلهم لتتناهشَهُ سيوفُهُم وتتقاسمَهُ رماحُهُم فنامَ الإمامُ عليٌّ في فراشِ الرسولِ(صلى الله عليه وسلم) وهو يعلَمُ أنَ الخطرَ بهِ محدقٌ وأنَ ثورةَ الشركِ عاتيةٌ ولكنهُ يعلمُ أنَ التضحيةَ بالنفسِ ركيزةٌ في بناءِ الإسلامِ ولبنةٌ في صرحِ الحضارةِ التي يهيئُها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) والمدينةِ التي يُبَشّرُ بها.
نامَ الإمامُ عليٌّ وقد وطًََّنى النفسَ أن يموتَ لتنتصِرَ كلمةُ اللهِ ويعلو دينَهُ الحقُ ولتفيضَ هذهِ الموجةُ النورانيةُ التي تُشرقُ في وجهِ الرسولِ الأعظمِ (صلى الله عليه وسلم) فَتَعُمَ الجزيرةَ وتُبدِدَ ظُلماتِها وجَهلِها.
ذلكَ أثرٌ من آثارِ التضحيةِ في حياةِ أجدادنا السالفين أما اليوم فها هم أعداءُ السلامِ والإنسانيةِ والأنبياءِ انتهكوا الحرمات وسفكوا الدماءَ وقتلوا الشيوخَ والنساء .
هذهِ القدسُ الأرضُ التي أنبتت السّيدَ المسيحَ عليهِ السلام وكانت مسرى سيدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمد(صلى الله عليه وسلم) وشَهِدت عَدَالةَ الفاروقِ وبسالَةَ ابن الوليدِ والتي تخضبت سفوحُهُا بدماءِ المغاوير من أبطالِ اليرموكِ وحطينَ هذه الأرضُ يرفرفُ اليومُ فوقها أثقلُ ظلٍ لأثقلِ رايةٍ ومع ذلكَ ينامُ أهلُ العيد عن معنى العيد.
ولولا أن قيضَ اللهُ لهذه الأمةِ في هذا الزمانِ القائِدَ العربي المؤمنَ الشجاعَ الذي يرفضُ الضَيم والاستسلام السيد الرئيس بشار الأسد الذي يسيرُ على خطا الأجدادِ ويضحي بالنفس والنفيس ولولا السيد الرئيس لنَشَرَ العارُ ظلَهُ الرهيب فوق جباهِ أمةِ الأمجادِ والبطولات ولما بقي لمسلمٍ أو عربيٍ كرامةٌ في هذه الأيام . بالتضحيةِ استطاعَ طارقُ بنُ زيادٍ أن يتحدى بَحرَ الظُلماتِ وأن يذل كبرياءَ الأمواجِ ليثِبَ بدينِ اللهِ إلى أرضٍ تتعطشُ إلى الحقِ وتهنُو إلى النورِ وكانَ أن نَبتت في آثارِ هذهِ الوثبةِ مدينةٌ دونَها المدينات وحضارةٌ دونها الحضارات فكانت الأندلسُ وغرناطة وكانت اشبيلية والحمراء وكان الفنُ الذي خُلّدَ على الدهرِ وبقي رغمَ أنفِ الزمان وعنادِ العصور ومحاكمِ التفتيش، بقي آيةً في الإبداعِ ودليلاً شاهداً على العظمةِ التي أبدعت واليدِ الصانعةِ التي أتقنت والفكرِ السامي الذي أوحى .
فلتجمعِ الأُمةُ أمرها من محيطها إلى خليجها خلفَ قيادته التاريخيةِ ولتسير وراءَ قيادتهِ حتى تتحقق الطموحات والآمال.
أيها الأخوة الأحباب :
اللهُ أكبر شعارُ المسلمين في العيد ،اللهُ أكبر وما أحلاهُ شعاراً بصاعدُ من أعماقِ القلوبِ فيتجاوبُ صداهُ في أجواءِ الفضاءِ بالغاً عنانَ السماءِ ، فيرددُهُ الملأُ الأعلى ملائكياً خالداً فتصغي إليه عوالمُ الكونِ كله من قمةِ العرشِ إلى أخمصِ الثرى خاشعةً طروباً تهلل(الله أكبر)
الله أكبر ذو العظمةِ والجلالِ والكبرياءِ وكل ما سواه فهو ذليل محتاجٌ أصغر .
اللهُ أكبر ........وكفى.
اللهُ أكبر كلمةٌ تملأُ قلوبنا الصغيرةَ بل وتذيبها خوفاً وطمعاً بيد أني أعجبُ لهذا الصغيرِ يضنى بالخفوقِ لكلِ ما سوى اللهِ الخالقِ الأكبر.
اللهً أكبر أنشودةُ الخُلدِ رَتَّلناها في الأزلِ حينما كنا في عالمِ الذر، وغشيّتني أنغامها وأنا في المهد وصدحت بموسيقاها وأنا هابط إلى العاجلة وملكت عليّ حواسي وأنا غلام لم أشبّ عن الطوق بعد واستقرت في عين فؤادي وأنا فتىً فنظرت بها في كل مكان فلم أجد غيرها ففتنت بها حتى فنيت فيها، وأنا ذا الآن إن صحوت فلا أسمع شيئاً سوى دقات قلبي تجود (الله أكبر) وكلما وضعت يدي على قلبي أتلمس قدسية هذا السر ألحّ عليّ التضاؤل شيئاً بعد شيء فتضاءلت وتضاءل معي كل شيء ولم يبق سوى ذّياك الرنين الخالد(الله أكبر) فأضع يدي على قلبي وأناج وتزعم أنك حرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.
الله أكبر، هنا وا شوقاه إلى قلوب هناك تهتف لبيك ليتني بينهم ألبيك أشعث أغبر، وشهود لدى النبي أراه، فأرى القرب في رياض المطّهر.
رب فامنن على المحب وهبه، من رضاك الرضى ورشفة كوثر وفي العيد الأكبر كان النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحبه يصدعون بالتكبير في شعاب مكة ويثرب إشعاراً بنعمة الله عليهم في الحج الأكبر(الله أكبر)
سبحانه أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده يريقون دماء الضأن والنعم أحياءً لذكرى فداء إسماعيل جدهم الأكبر وتقرباً لله (باسم الله والله أكبر)
يصلون أولاً ثم يذبحون ويتهادون ويتزاورون ولا يفتئون يرددون من الصميم الله أكبر.
الله أكبر تنطلق من قلوبهم مخلصة تدوي كرعيد القنابل في أفئدة المشركين لا يزاحمها شيء في هذا العالم الأصغر (الله أكبر).
رب ارحم عبادك وبث الألفة والمودة والتراحم والتعاطف في قلوبنا وأيدنا وانصرنا .
ربنا ولك الحمد والله أكبر.