بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة السيد وزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الستار السيد في مؤتمر
((الإخاء الإسلامي المسيحي))
المنعقد في قصر المؤتمرات بدمشق في 15/12/2010م.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أنبياء الله أجمعين وبعد:
يقول الله تعالى: (إنما المؤمنون أخوة)
أيها الحضور الكريم:
أرحب بكم في سورية الأسد: حاضنة الإسلام والمسيحية في الشرق، سورية التي عانقت فيها المآذن الكنائس والتي مثَّل أبناؤها ثقافة وسلوكا- قول السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد (المسيحية والإسلام انبثقتا من أرضنا وهذا موضع فخر واعتزاز لكل جماهير شعبنا).
العصور الغابرة تشهد ما كان لسورية من دور متميز في بناء الحضارة الإنسانية وتحقيق تطورها وازدهارها، فكانت بلاد الشام في ماضيها التليد مهداً للحضارة ومجداً للرسالة ومنهلاً للثقافة والمعرفة، وبهذا ضربت المثل الأعلى في الإخاء الديني والعمل للوصول إلى مجتمع أفضل، وعلى المستويات كافة، وكان الإخاء الإسلامي المسيحي فيها حقيقة تاريخية وضرورة اجتماعية عاشها المواطنون في مختلف الحقب وخلال ما واجهته سورية من تحديات والشواهد الحية على ذلك كثيرة تحفل بها كتب التاريخ وهي تطبيق لما جاء في القرآن الكريم والإنجيل المقدس من نصوص متعددة تدعو إلى المحبة والوئام كما تدعو إلى العمل معاً لخير الإنسانية وسعادتها.
نحن نتفق مع كل من يؤمن بأن بناء المجتمع المنشود لا يكون بشعارات ولا بعقد مؤتمرات وتوصيات براقة تخرج عن تلك اللقاءات بل ينبغي ترجمة ما نقول على أرض الواقع لتؤتي هذه اللقاءات ثمرتها الحقيقية في إسعاد البشرية ومن هنا تأتي مسؤولية الجميع لتحقيق هذه الغاية المنشودة.
إن أفق الرسالات السماوية رحب واسعٌ ولكن بعض الذين يتحركون في خطها قد يغلقون الأفق على الآخرين ليزعموا لأنفسهم أن لهم أفقاً يختص بهم .
وفي أي خلاف ديني أو ثقافي نلاحظ أن الخصوصيات تستهلك العموميات وأن الكثير يضعون الخصوصيات حاجزاً أمام العموميات وهناك من يروج اليوم لما يسمى بصراع الحضارات .
والحقيقة أنه لا يوجد صراع بين الحضارات ولا تصادم بين المنتمين إليها وإنما هناك امتحان لإرادة الإنسان المنتمي إلى حضارة ما وهناك امتحان للرؤية التي تقود هذه الحضارة والهدف، وسعيٌ نحو تكامل الجهود للعمل على رفعة الإنسان وسعادته وهنا المحطة التي التقت فيها المسيحية والإسلام.
وذلك أن الإنسان وتكريمه كان وما زال هدف الرسالات السماوية فالله تعالى الخالق العظيم كرم هذا المخلوق وجعله مستخلفا عنه في عمارة الأرض وقد أسجد له الملائكة المكرمين من يوم أن خلق فيه الروح، وكل من آمن بالله الخالق الواحد العظيم حمل مع هذا الإيمان شعوراً بتعزيز كرامة الإنسان من حيث هو إنسان يمثل صنعة الله تعالى وهذا هو القاسم المشترك بين المسيحية والإسلام ويقول الله تعالى في القرآن الكريم (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ
اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) فما كان لرحمة السماء أن تكون وسيلة لشقاء الناس ولقد التقت الرسالتان السماويتان الطاهرتان على أسس ثلاثة:
أولاً: وضع الأسس الصحيحة لعلاقة الإنسان بالله تعالى.
ثانياً: وضع الأسس الصحيحة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان .
ثالثاً: وضع الأسس الصحيحة لعلاقة الإنسان مع الموجودات من حيوان ونبات وجماد.
أيها السادة الأفاضل:
من هنا كان التشابه العظيم بين الرسالتين في الهدف والمرجعية فالهدف هو خير الإنسان والمرجعية إلى الله تعالى .
- الله تعالى في رسالة المسيح هو محبة .
- والله تعالى في رسالة الإسلام هو الرحمن الرحيم .
ومن هذا المنطلق وهذا المفهوم السليم لحقيقة الأديان السماوية ضربت سورية المثل الأعلى في الأخوة الدينية عبر تاريخها وواقعها فقد عشنا وما زلنا نتساوى في الحقوق والواجبات ولا فرق في هذه النظرة بين من كان مسيحياً و من كان مسلماً .
وتعد سورية الدولة الرائدة في هذا المضمار في الشرق وهي تسير بتوجيهات قائدها الدكتور بشار الأسد لترسيخ وتعميق هذه الأخوة الدينية وهو القائل:
(سورية مهد المسيحية، والمسيحية والإسلام لخير الإنسان وهذا هو النموذج الأمثل للأخوة الدينية وللعلاقات بين بني الإنسان) .
أيها الأخوة الأفاضل:
لقد أرست الرسالتان الإسلامية والمسيحية قواعد العدل بين الناس وحرمتا الظلم بكل أنواعه وأشكاله وإن التعريف الذي تلتقي عليه المسيحية والإسلام للعدل وللحق في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هو أن يأخذ كل إنسان حقه على نحو ثابت ودائم ما دام أهلاً لهذا الحق ويقول الله تعالى( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وفي تثنية الاشتراع :(احكموا بالعدل ولا تحابوا وجه أحد في الحكْم فإن الحَكَمَ هو الله) .
وبناء على ذلك فقد ربى الإسلام والمسيحية المؤمنين على هذه الأخلاقية الحضارية وقد وجدنا عبر التاريخ والواقع مسيحيين ومسلمين ملتزمين بالدفاع عن الحق وعن العدل عاملين على أن يعم العدل بين البشر جميعا وأن يكون العدل والعدل وحده هو المرجعية التي تؤطّر علاقات البشر بين بعضهم بعضا.
واليوم ووسط هذا العالم المضطرب فإننا نلحظ وجود قوى ظلم وظلام تريد دفع الأمور باتجاه شرير مدمر وذلك تحت عنوان ( تصادم الحضارات أو صراعها) وهذا الواقع وتلك التفسيرات القاتلة تفرض على المسلمين والمسيحيين أن يقفوا معاً كما أمرهم الله تعالى وكما علّمهم المسيح ومحمد عليهما السلام .
يجب أن يقفوا وقفة رجل واحد في وجه نزعات الشر وقالات السوء التي تنمو باضطراب و في وجه كل أشكال الإرهاب العالمي بدءاً من إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه الصهيونية العالمية ومروراً بأشكال الإرهاب الفكري والاقتصادي والثقافي المعلن هنا وهناك وصولاً إلى إرهاب الأفراد المُجَرَّم وذلك كله وفق تعريف علمي موضوعي واضح لمعنى الإرهاب وأشكاله ومضامينه التي تروع الآمنين وتقتل الأبرياء وذلك تمييزاً للإرهاب المدان عن المقاومة والنضال المشروع ضد قوى ظالمة تحتل أراضي الآخرين وتصادر حرياتهم وتدنس مقدساتهم وتسلب مقدراتهم وخيراتهم .
إذ مما لا يحتاج إلى كثير تفكير أو تدليل أن من حق الشعوب بل من واجبها أن تقاوم كل مغتصب لحقوقها ومعتد على كرامتها ومهدد لوجودها المشروع حتى يتحقق العدل ويرفع الظلم عن الإنسان في أي مكان وزمان فلا بد من الوقوف في وجه الظلم بكل أنواعه وأشكاله ولا سيما ما نراه اليوم في أرض فلسطين الحبيبة من فرض ليهودية الدولة وتهويد القدس الشريف وتغيير المعالم الحضارية والتاريخية لها وما نراه في العراق من قتل وتشريد وتدمير للمساجد والكنائس.
أيها السادة الأعزاء:
إن الحضارة العربية الإسلامية التي بناها المسلمون والمسيحيون تشكل تجربة حضارية رائدة في التسامح والتكامل الحضاري الإنساني وهذا ما يؤهلها لتلعب دورها الرائد الذي يعد نموذجاً فريداً لحوار الحضارات ومثل هذا التسامح والتكامل الإنساني في تاريخنا الإسلامي الحضاري لا يزال واقعاً معاشاً في كل بلاد العرب والمسلمين عموماً وخاصة في سورية الأسد .
وقبل أن نبحث أيها السادة الكرام فيما يمكن أن يقع علينا في المستقبل علينا أن نلاحظ واقعنا في هذه المنطقة من العالم التي تمثل فيه إسرائيل أبرز قضايا عصرنا وأخطرها في مجال انتهاك حقوق الإنسان وخرق قيم العدالة وكرامة الإنسان وهي النموذج العالمي الصارخ في إيقاع الظلم وممارسة الإرهاب المنظم على الأرض التي شهدت ولادة المسيح عليه السلام وحياته ورفعه إلى السماء، وفلسطين في الوجدان المسيحي إنما هي كل القداسة كما أنها في الوجدان المسلم لا تنفك عن العقيدة والإيمان، والضحية إنما هي شعب فلسطين الأعزل المحاصر بمسلميه ومسيحييه,ولا أرى سلاحاً أفتك بالإرهاب وأصحابه ومظاهره من التعاون الإسلامي المسيحي فهو الكفيل بمنع الاحتلال الظالم وهو المنطلق الحتمي لمعالجة المظالم المروعة التي يحدثها هذا النظام الصهيوني من قتل وحصار وتدمير وتشريد وامتهان للإنسان وكرامته ومقدساته فهذا هو التحدي الأعظم الذي يمثل أضخم المسؤوليات وأخطرها على المسيحية والإسلام.
وأخيراً فإننا نقول بحق: مهما اختلفت عقائدنا الدينية ومهما تغايرت شروحنا لها فإن لغة أكفنا إذ تنبسط بالافتقار إلى كرم الله لغة واحدة وإن نداءنا المنبعث من حلوقنا جميعاً بعبارة يارب عندما يطوف بنا الكرب إنما يطرق من السماء باباً واحداً.
فلنجعل من أكف افتقارنا إذ تنبسط إلى الله بذل وأنشودة دعائنا إذ تنبعث من قلوبنا بصدق أول علاج لما يعترضنا من تحديات وصعاب وصدق الله عز وجل إذ يقول:) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
المجد لله في السماء وعلى الناس المسرة وفي الأرض السلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته